تطور الحب، من غيابي تحققه الخاطبة إلى عذري إلى عشق الجامعة فغرام في العمل قد ينتهي بالزواج. تغيّر ذلك في عالم الانترنت فباتت مواقع التعارف مطارح الغرام وصفحات التشات محطات اللقاء، فيتحكم عالم النت بقرارات القلوب.
لم يعد عالم الانترنيت مجرد فضاء افتراضي يتحاور على صفحاته الاجتماعية وصفحاته الالكترونية الناس ويتبادلون الأفكار، بل أضحى قاعة اوركسترا تعزف القلوب في أروقتها على قيثارة الزمن السريع سيمفونيات العشق الخالدة.
ويؤكد موقع “في دي ار 5 ” الألماني هذه المأثرة العاطفية الجديدة بالإشارة إلى أن ثلث الزيجات التي تمت في الولايات المتحدة الأميركية بين عام 2005 وعام 2012 تمت بالتخاطب والتعارف والتلاقي فالزواج أونلاين!
البحث عن شريك على النت كالبحث في دليل الزواج
لكن العلاقات على الانترنت لا تستجيب بالضرورة لخفقان القلوب، بل إنها تتيح للرجل والمرأة دراسة مشروع الزواج باعتباره مشروعا براغماتيا يخضع لحسابات الربح والخسارة ويحكمه المنطق أكثر مما تحكمه العواطف. اذ يدرس كل من الرجل والمرأة نماذج المعلومات التي أعداها سلفا، ويأخذان وقتهما في التعامل مع الحقائق الواردة فيها. وتلفت المتخصصة بعلم الاجتماع “كاي دروغه” الأنظار إلى أن التعارف على النت تطور بدوره بمرور الوقت، ليتحول من مجرد مساحة لقاء عاطفي عابر إلى ميدان يتيح للجميع حرية اختيار الشريك، مستجيبا لمفهوم الانتخاب الحر في اختيار الشريك الذي ظهر كمفهوم واضح في ستينات القرن الماضي.
وتؤكد دروغه أنّ الميزة الأهم في حرية اختيار الشريك تتجسد في حرية الإنسان في أن يقرأ السيرة المعروضة على النت لشخص ما، فإن لم يجدها مغرية له بالتعارف فما عليه سوى أن يضغط على الماوس بكليك صغير لينصرف إلى سيرة أخرى وحياة أخرى واختيار مختلف آخر.
الانترنت جسر يختصر المسافات
في البدء يكون الإعجاب ثم يشرع الاثنان بالتراسل بلغة العيون ثم تبدأ الرسائل المكتوبة والمواعيد المرسلة عبر الهاتف. لكن هذا بات تاريخا عتيقا، فالإعجاب لم يعد بنظرة خاطفة، بل من خلال قراءة سيرة مفصلة والتأمل في صورة قد تظهر جوانب وتخفي أخرى، كما أن التراسل يتم فورا عبر الماسنجر أو الايميل، ويمكن ان يتم فيديويا عبر سكايب أو تانغو أو فايبر أو عشرات برامج الاتصال الالكتروني المصور. وهكذا يكون بوسع الجانبين أن يستكشفا بعضهما حتى إذا كانت المسافة بينهما ألوف الكيلومترات. الانترنيت وإمكاناته يتيح للجانبين أن يحفظا كل المعلومات التي تبادلاها في ملفات خاصة يمكنهما العودة إليها عند الحاجة، وبهذا يكون النت أكثر صدقية من اللقاءات الكلاسيكية كما يرى البعض. وتطور النت إلى درجة أنّ هناك مواقع تعرض اليوم خدمات إجراء عقود الزواج الرسمية، بل إن هناك مواقع تؤمن للمسيحيين أن يكون الزواج كنسيا.
اللقاء الافتراضي يهمل وظيفة الحواس
موقع “سايكولوجي توداي” البريطاني المتخصص بالعلاج النفسي وما يتعلق به، يضع العصي في دواليب العلاقات الالكترونية مستندا إلى أسباب منها:
*اختيارات الشريكين قد تربكها علاقة افتراضية غير واضحة المعالم، وتفتقر إلى خطة واضحة. كما أن القرار بشان الشريك الأمثل يبقى تحديا صعبا عبر العالم الافتراضي الذي يستعمله كثيرون لتجميل واقعهم وصورهم.
*يتغير الناس بمرور الوقت، ولذا فإن من قرأت سيرته يوم السبت على النت، ربما يقدم نفسه غدا بشكل مغاير، وهكذا فإن المواقع التي تتولى الانتخاب قد تخطأ الكترونيا في انتخاب الشريك المناسب.
*التواصل عبر الكومبيوتر يفتقد عنصرا حاسما في الحياة، هو اللقاء وجها لوجه الذي يتيح للعيون أن تتبادل النظر فيجري التقييم قريبا من الحواس الحقيقية للإنسان. كما أن اللقاء الذي يجري وجاها يتيح استخدام باقي الحواس، كالشم واللمس وحتى التحسس الحقيقي لأبعاد جسد الشريك المنتظر، وهو ما يراه كثيرون جزءا هاما من مقدمات العلاقة الزوجية.
العشق الالكتروني لم يأت بجديد
ترى الباحثة الاجتماعية كاي دروغه أنّ الانترنيت ومواقع التعارف الاجتماعي لم تضف للحب جديدا، “ربما بات الحب أسرع، فبنقرة على الماوس يبحث المرء عن المزيد، وهذا قد يكون من أسباب فشل علاقات الحب الالكترونية بسبب توفر البدائل الجاهزة السريعة”.
لكن دروغه تعود لتؤكد أنه رغم هذه الحرية الزائدة في الانتخاب، فإن “كثيرا من علاقات الحب التي ولدت ونمت أونلاين ما زالت تحتفظ بحرارة صدقها ورومانسيتها. فالطرفان وضعا ورقهما على الطاولة وأعلنا بصراحة أنهما يبحثان عن علاقة جادة، فتحققت النهاية السعيدة”.