بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه. أما بعد،
فإن هذه الحياة الدنيا هي حياة صعبة وشاقة، ولا بد لكل إنسانٍ مهما كان أن يواجه فيها شيئاً من هذه الصعوبات والمشاق، فكثيراً ما يتعرض الإنسان في هذه الحياة الدنيا إلى البلاء، والضنك، والشدة في العيش. وكثيراً من نسمع قول القائل: لا الصغير مرتاح، ولا الكبير مرتاح، ولا الغني مرتاح، ولا الفقير مرتاح! فلا أحد يشعر بالراحة، فالإنسان مهما بحث عن الراحة فإنه لن يجدها، وإن وجدها وتحققت له في يوم ما، فإنه سيلاحظ أن تلك الراحة هي راحة نِسْبِيَّة ناقصة، تتذبذب وتتفاوت من حينٍ لآخر، وأنه سيأتي يوم وتذهب هذه الراحة، وتحل محلها المشقة والتعب، وقد تعود تلك الراحة إليه بمشيئة الله.
فليست الحياة الدنيا إلا دار شقاء وابتلاء وفتن، فلا ثبات ولا استقرار فيها، وليس فيها راحة إلا تلك الراحة النسبية الناقصة والقليلة التي ستؤول إلى الزوال في يوم ما. هكذا هي الحياة الدنيا، وهكذا أراد الله لها أن تكون. فالناظر لها بعين البصيرة سيعرف حقيقتها بلا شك، وسيتجنب الوقوع في الغفلة، والانغماس في ملذاتها، وسيكون حريصاً على الاستعداد للحياة الآخرة، ولقاء الله عز وجل بإيمانٍ ويقينٍ وقلبٍ مخلص لا يداخله شرك، مع تزوده بالعمل الصالح الذي ينفعه عند الله عز وجل، ويكون سبباً في دخول الجنة، والتلذذ بما فيها من نعيم، والعيش في راحة أبدية مُطْلَقَة، فهذه الراحة الدنيوية لا تساوي شيئاً أمام الراحة التي سيجدها المؤمن في الجنة.
يقول الله تبارك وتعالى في محكم تنزيله: { لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ فِي كَبَدٍ } [البلد: 4]. وقد فسر بعض المفسرين هذه الآية على الوجه التالي: أن الله تعالى قد خلق الإنسان في استقامة خَلْقِيَّة؛ أي أنه قد خلق الإنسان على أكمل وجه، وميزه عن البهائم. وفسرها البعض الآخر منهم كما يلي: أن الله تعالى قد خلق الإنسان في مُكابدة ومُعاناة، فهو يعاني دائماً من مشاق الدنيا، وصعوبات الحياة فيها.
ولمواجهة صعوبات الحياة ومشاقها، فإن على المسلم التحلي بالصبر، فإن الله مع الصابرين، وعليه أن يتخذ كل الأسباب المشروعة التي تحول بينه وبين الوقوع في الضنك والمشقة والمشاكل، كما يجب عليه اتخاذ الأسباب المشروعة في حل هذه المشاكل في حال الوقوع فيها. وعليه أيضاً ألا يقطع صلته بربه، وأن يحافظ على ما فُرِضَ عليه من العبادات، ويكثر قدر المستطاع من النوافل. وأن يدعو الله باستمرار ويلح بدعائه، ويكثر منه، وأن يتحرى الأوقات التي يستجاب فيها الدعاء. وأن يلازم الاستغفار، فالاستغفار هو سبب في تفريج الكرب، وجلب الرزق، ومحو الخطايا.