في الغَزَل الشعبي يحلو تشبيه شَفَتَي المرأة بحَبَّتَي كرَز رائعتين. وفي الطب الشعبي يَحْلُو وصف الكرز بالعلاج ، في كل مرّة يَعجَز الطب التقليدي عن علاج السكري، وآلام المفاصل، وإصابات القلب، وضغط الدم، والأرَق وسِمْنة البطن… فهل نحن أمام ثمرة شهيّة، أم أمام هِبَة طبيعية استثنائية نادرة؟
وَعَت في هذه الدنيا وهي تَرَى جدّتها، المصابة بالسكري، تغلي عناقيد الكرز وتشرب ماءها. وكبُرَت في دنياها وهي تسمع، من هنا ومن هناك، عن قيمة حبّات الكرز الجميلة في علاج آلام المفاصل المزمنة. تُصدّق؟ الأمرُ يحتاج إلى براهين. فهل من يملك معلومات في الطب الطبيعي؟ هل من يشرح بالتفصيل أبْعَاد حبّة الكرز، الشهيّة طعماً، في الوقاية من الأمراض والإصابات؟
ليس الكرز لذيذ الطعم فقط بل صُنّف، مِنْ قِبل المجلة الأمريكية للتغذية، على قائمة أفضل خمسين غذاء طبيعياً مُفيداً، وحلّ الأول بين مجموعة الفاكهة الحمراء التي تحتوي مواد كيميائية نباتية، قادرة أن تُصارع كثيراً من الأمراض. وهذا الكلام ليس مُجرّد صفّ حروف، بل يستند إلى دراسات حسمت أن هذه الثمرة قادرة على أن تخفف من آلام العضلات وإلتهاب المفاصل، وأن تُعالج الأرَق وتحمي خلايا الدماغ.
هل قررتم تناول الكرز؟ هل قررتم الإكثار من تناوله ؟
هناك معلومات كثيرة بَعْدُ قد تحثّكم على هذا خصوصاً في هذا الشهر، في يوليو، حيث تحتفي دول كثيرة بينها بريطانيا بيوم الكرز الوطني. وهذه أبرز الأسباب الموجِبة لتناول فاكهة الكرز:
• أولاً: تحمي هذه الثمرة من السكري، لاسيّما إذا كانت حلوة المذاق! تستغربون؟ ثمرة مشبعة بالحلاوة، وقادرة على لجم السكر في الدم؟ لا، لا تستغربوا. فمؤشِّر السكر في الكرز لا تزيد نسبته في الدم عن 22، في حين يرتفع هذا المؤشر في المشمش إلى 57، وفي العنب إلى 46، وفي الخوخ إلى 42، وفي العنب البري إلى 40، وفي الخوخ إلى 39. وهذا ما يجعل الكرز الخيار الأفضل في حالات السكري. ويبدو أن تناول ما يُعادل كوب من الكرز أو 21 حبّة كرز، يعطي تسعين سعرة حرارية وثلاثة غرامات من الألياف وهذه الكمية مصدر أساسي من الـ«أنثوسيانين» والـ«بوتاسيوم» وفيتامين «س»، ومن المركبات النَّشِطة بيولوجياً التي توفر مضادات للالتهابات والأكسدة ومكافحة السرطان.
• ثانياً: الكرز غني بمادة «كيرسيتين»، التي هي بمثابة «فلافونويد» طبيعي ذات خصائص مضادة للأكسدة، ما يُساعد على تحييد الحمض النووي من التَّلَف المحتمل الذي تتسبب به الجذور الحرّة، كما أنه يحمي من أمراض القلب والأوعية الدموية، كونه يُسهم في تنظيم الجينات المسؤولة عن الدهون واستقلاب الجلوكوز. وله تأثيرات مضادة للالتهابات. وفي حال جرى تناول الكرز الحامض تحديداً في شكل مُنْتَظَم، يساعد على تجنُّب السكتة الدماغية القاتلة.
• ثالثاً: لا يمكن أن نتكلم عن فوائد الكرز من دون التطرُّق إلى منافعه في الحماية من الإصابة بالسرطان، لاسيَّما سرطان القولون، والثدي، والبروستاتا، والرئة، وذلك بفضل مستويات الألياف الغذائية العالية فيه. وكلّنا يعلم أنّ الألياف تساعد على تجنُّب زيادة الوزن أيضاً.
• رابعاً: يخفّف من آلام التهاب المفاصل، ولا أحد قد يفهم مُعاناة مريض التهابات المفاصل إلّا هو! إنها مُعاناة لا تُطاق، ومعلومة أن الكرز قد يساعد على تقويض الألم والمعاناة سارّة جداً، حيث إنّ هذا النوع من الفاكهة يحتوي على خصائص مضادة للالتهابات. في كل حال، دعونا نغوص أكثر في قدرته هذه عبر السؤال: كيف يمكن للكرز أن يُكافح عملياً التهابات المفاصل والروماتيزم ومرض النقرس؟
سؤالٌ آخر: هل يتطلب هذا منّا أن نتناول كثيراً من حبات الكرز؟ كيلوغرام منه مثلاً؟ أليس هذا كثيراً كي نستفيد من منافعه؟
الباحثون ينصحون بتناول عصير الكرز لمنفعة أكبر، ودلّت إحدى الدراسات، أنه قد يكفي تناول ملعقة كبيرة من مستخلَص الكرز اللّاذع مرّتين في اليوم، مدة أربعة أشهر، كي نشعر بالفارق الكبير بين قبل وبعد. وبالتالي، المثابرة على تناوله كعصير يوفر خياراً آمناً لمنع تَجدُّد هجمات النقرس المتكررة. وهناك دراسات أخرى تتحدث عن قدرة الكرز على تخفيف أعراض هشاشة العظام والغضروف، لاسيَّما بين من ثَابَروا على تناول عصيره الحامض يومياً لمدة ستة أسابيع. وقد بيّنت الدراسات، أنّ من خاضوا هذه التجربة شهدوا انخفاضاً ملحوظاً في حساسية بروتيين «س» التفاعُلي العالية، التي تؤشر عادةً إلى حدوث الالتهابات.
• خامساً: يتمتع الكرز بمضادات الأكسدة، وهو غني بمضاد «سيانيدين»، الذي يتمتع بالقدرة على إحداث تطورات إيجابية هائلة في الجسم كونه أحد أقوى مضادات الأكسدة، وهو موجود أيضاً في الرمان، وأنواع التوت السوداء والحمراء، وفي الكرنب الأحمر، والبصل الأحمر والتفاح.
• سادساً: يخفّف الكرز أيضاً وأيضاً من آلام العضلات، خصوصاً بعد ممارسة التمارين في صالات الألعاب الرياضية، وقد ثبت هذا علمياً. وفي التفاصيل، يُفترض تناول عصير الكرز الحامض قبل الإنطلاق في الرياضة لاحتواء أي ألم في مَهده. هو حلٌّ رائعٌ ولذيذٌ وسهلٌ. جرِّبوه.
• سابعاً: يساعد تناول الكرز على ضبط ضغط الدم والسيطرة عليه، لأنه غني بعنصر البوتاسيوم الممتاز للسيطرة على ارتفاع ضغط الدم ومشاكل الأوعية الدموية.
• ثامناً: يساعد تناول الكرز على النوم جيداً، وكلّنا يعلم أن مشاكل النوم في عصرنا كثيرة، وما يفعله الأرق والإجهاد في جسم الإنسان خطيرا. والسؤال: لماذا كل هذه المعاناة، في حين أنّ الحلّ قد يكون سهلاً ولذيذاً في آن؟ باختصار، الكرز قادر على أن يتفاعل مع مادة الـ«ميلاتونين» الطبيعية التي يُنتجها الدماغ، ما يساعد على الاسترخاء والنوم. إذن، تناولوا قبل الخلود إلى النوم بنحو ساعة كوباً من عصير الكرز، وستنعمون بنوم هانئ عميق حتى ساعات الصباح الأولى.
• تاسعاً، يساعد الكرز على التخلص من الدهون المتراكمة خصوصاً في البطن. فهل تَخالُون أن مشكلة تلك الدهون النافرة حول الوسط قد تُحل بتناول الكرز؟ وهل هناك حلّ أجمل من هذا؟ في كل حال، أفضل أنواع الكرز في حلّ هذه المشكلة هو الكرز الحامض.
• عاشراً: لعلّ مشكلة عصرنا هذا هي النسيان ومشاكل الذاكرة. وهنا يأتي أيضاً وأيضاً دور الكرز في المواجَهة. باختصار، تناولوا الكرز من أجل الحصول على ذاكرة قوية وتعزيز المهارات الحركية، نظراً إلى مضادات الأكسدة «الأنثوسيانين»، التي تتمتع هذه الفاكهة بها. إذن، الكرز غذاء للفكر أيضاً، فتذكروا هذا، خصوصاً في موسم الكرز الذي نحنُ فيه.
• أحد عشر: يُعدّ الكرز بمثابة وجبة خفيفة «سناك» صحية. ولعلّ ما يُميّزه ، أنه من صنفين حلو وحامض، يعني الكرز مُتاح لكلّ الأذواق. ويُمكن تناوله مع الحلويات أو السلطات أو حتى مطبوخاً. هو شهي في كل حالاته، وكثيرون يحبون تناوله. ماذا عنك؟ ماذا عنكم؟
يبقى أن رُوح الكرز قصير، وهو يموت بعد قطافه بسرعة. لكن، ما رأيكم في سرٍّ قد يُساعدكم على إطالة عمره وإبقائه نضراً، طيّباً، أطول مدة مُمكنة في ثلاجتكم؟
يتطلب الحفاظ على الكرز في ذروة نضارته، مدّة أسبوع وأكثر، وضعه في البراد من دون غسيل على أن يُغسل قبيل تناوله مباشرة. ويمكن غسله في الماء البارد مع عناقيده ثم وضعه في أكياس وتجميده. وسيبقى صالحاً مدّة تصل إلى عام.
قبل أن ننتهي نصيحة، لا تَرْمُوا عناقيد الكرز أو ساقها، بل جفّفوها في الظل ثم أغلوها واشربوا ماءها، فمنافعها كثيرة، بينها تقوية الأعصاب، وخسارة الوزن، والوقاية من السكري، والتخلص من الحصَى في الكلى.