كل شهر أو شهرين نقرأ أو نسمع عن أحدهم رأى ما يعتقد أنه وجه “المسيح” كما اعتدناه في اللوحات والأيقونات الكنسية والتماثيل، ظهر له بشكل خاص على قطعة خبز بعد أن قام بتحميصها في البيت أو المكتب، أو اشتراها جاهزة.
أينما تنظر، سواء الى الأبنية أو الأوعية أو الى الطيور والجبال وغيرها، ترى وجوها
ولأن هذه “الظهورات” تكررت كثيرا منذ اخترعوا أجهزة التحميص المنزلية، فقد شرحها علماء وباحثون مرات عدة في السابق، وعزوها إلى ما سموه Pareidolia كظاهرة علمية ملخصها أن الإنسان يميل بطبعه إلى جعل المبهم واضحا إليه، لذلك ما أن يرى رسما فوضويا ظهر له كيفما كان، إلا ويستخرج من ذاكرته شبيها به معروفا بأهميته لديه، وبأقل من ثانية يربطه بالرسم ليزيل كل غموض فيه.
وأحد أكبر المختصين بعلم “الباريدوليا” هو بروفيسور من أصل صيني في “جامعة تورنتو” الكندية، اسمه كانغ لي، أجرى لأول مرة تجارب مخبرية حديثة مع فريق من الباحثين الكنديين، ممن استخدموا ماسحات للأدمغة بالأشعة السينية على متبرعين خضعوا لتجارب قاموا بها على نشاط أدمغتهم حين رؤيتهم لرسوم وأشكال فوضوية مبهمة.
البروفيسور كانغ لي، ودورية كورتيكس، وأينما تنظر ترى وجوها، حتى في الطائرات والأحجار على قارعة الطريق
بعدها أعد البروفيسور كانغ دراسة عما توصل إليه وراجعتها “العربية.نت” ملخصة في عدد أبريل من دورية “كورتيكس” العلمية التي تصدر منذ 1964 عن دار “إلزفر” الهولندية، وفيها استنتاج بأن الإنسان مزود بطبعه بأشكال موروثة وجاهزة وماثلة في ذهنه، وبها يجعل للمبهم عليه أهمية كبيرة، ليصبح الغامض مألوفا لديه وشبيها به بالذات، خصوصا الأشكال والرسوم القريبة ملامحها من الوجوه البشرية.
ورثها حتى من إنسان العصر الحجري
والظاهرة هي نفسية المؤثرات تعزز الاعتقاد بأن الشكل الذي ظهر مبهما وعشوائيا له في الذاكرة أشباه تجعل الإنسان يتخيل شكلا غامضا رآه في غيوم متلبدة على أنه حيوان أليف يعرفه، أو حتى لوحة رآها سابقا، وكذلك حين يرى ما يشبه الوجه على سطح القمر أو المريخ، أو حتى حين يسمع أصواتا خفية في تسجيلات صوتية عند تشغيلها عكسيا، بحيث يصبح متأكدا بأن ما يراه أو يسمعه هو مما يعرفه ومخزون في ذاكرته.
على البلاط ظهر ما يشبه البقرة، ومقابس الكهرباء تشبه الوجوه البشرية أيضا
وفي “تويتر” حساب خاص باسم @FacesPics وتجولت “العربية.نت” فيه أيضا، وهو يعرض الكثير من الصور المتنوعة عن ظاهرة “الباريدوليا” التي تجعل الإنسان يسرع حين يسمع صوتا غامضا عليه، لأن يجعله مألوفا، فيجعله قريبا من صوت مطرب معجب به، أو ربما صوت إنسان عزيز عليه.
وسبق لعالم ياباني اسمه كونوسوكي أوكامورا أن قام بأبحاث غير مخبرية، بدءا من 1977 وطوال 13 سنة، ذكر فيها أن ظاهرة “تأنيس” الأشكال والرسوم الغامضة، أي جعلها إنسانية معروفة لمن يراها، تدل على الإنسان مستمر في التعرف إلى الأشياء كما كان منذ ملايين السنين، وأنه ورث التعرف إلى الوجوه من أسلاف عاشوا حتى في العصر الحجري.