يسجل المشهد السينمائي المحلي في لبنان تغييرا جذريا يتمثل في “غليان” إنتاجي، وفي إقبال متزايد من الجمهور على الأفلام المحلية، لا يحده الاضطراب السياسي والامني المتواصل في هذا البلد.
ولم تحتضن الصالات اللبنانية من قبل هذا الكم من الأفلام المحلية لا قبل الحرب الأهلية التي امتدت بين العامين 1975 و1990، ولا خلالها ولا في الفترة التي تلتها مباشرة.
ففي الاشهر الخمسة الأخيرة تنافست ستة أفلام سينمائية لبنانية روائية طويلة كان القاسم المشترك في ما بينها تناولها قضايا اجتماعية في إطار ساخر.
ويشير الناقد السينمائي نديم جرجورة في حديث له: “الأفلام السبعة التي عرضت خلال سنة ونصف، جذبت بمعظمها جمهوراً كبيراً وحققت أرقاماً جيدة على شباك التذاكر، وهذا مهم لأن السينما أساساً صناعة، وينبغي ان تدر أرباحاً”.
وليس المهم بالنسبة لجرجورة عدد الأفلام اللبنانية المعروضة وحجم الجمهور الذي شاهدها بل هل استمتع الجمهور بهذه الافلام، وهل تفاعل معها بالمعنى الإنساني والثقافي، وهل هذه الأفلام في ذاتها تنطوي على قيم سينمائية ومشغولة بطريقة لائقة.
وكان فيلم “بيبي” للمخرج إيلي حبيب الذي جمع وجهين تلفزيونيين معروفين هما ماغي بوغصن ويوسف الخال، استقطب العدد الأكبر من المشاهدين وهو 152 ألفا.
أما “حبة لولو” للمخرجة ليال راجحة فشاهده 130 ألف شخص وهو درامي ساخر يعالج قضية الأولاد اللقطاء، واستحالة منحهم أوراقا ثبوتية في لبنان، وكان لافتا أن هذا الفيلم تفوق جماهيريا على فيلمين أميركيين مهمين عرضا في الفترة نفسها، هما “وولف اوف وول ستريت” و “هانغر غايم”.
وأقبل 80 ألف مشاهد على فيلم “غدي” للمخرج أمين درة، وهو من بطولة جورج خباز الذي كتب أيضا السيناريو، ويتناول الاختلاف عبر قصة فتى مصاب بمتلازمة الداون.
ويقول المسؤول عن برمجة الأفلام في صالات “امبير” بسام عيد ان :”الفيلم اللبناني حقق قفزة نوعية على شباك التذاكر، والجمهور يريد ان يضحك ويتسلى”.
ويضيف عيد: “بات الموزعون مقتنعين اكثر بتوزيع الفيلم اللبناني، وهذا التوجه إلى اتساع، اذ اطلعت هذا الاسبوع على مشاريع سبعة افلام لبنانية طويلة”.
ويستطرد قائلا: ” نحن نشجع الافلام اللبنانية ونعرضها في صالاتنا ولكننا نحرص على أن تكون ذات نوعية جيدة”.
وترى المخرجة اللبنانية لارا سابا، صاحبة فيلم “قصة ثواني”، ان “الافلام التي تعرض راهنا ابتعدت عن موضوع الحرب لأن ثمة جيلا لم تعد تهمه هذه الحرب، ولم يعد يتحدث عنها”.
ووتضيف سابا: “حين تبين للمنتجين ان الافلام اللبنانية بدات تجذب مشاهدين الى الصالات، تشجعت رؤوس الاموال للاستثمار في السينما”.
وتقول المخرجة اللبنانية والناشطة في مجال السينما زينة صفير: “علينا ألا نخرب السينما اللبنانية كما فعلنا بموسيقانا، وانا مع الافلام ذات النوعية التي تنجح تجاريا فالسينما صناعة، لكنني ضد السخف”.
لكن الناقد نديم جرجورة يرى أن “ثمة فرقا بين منتج سينمائي وبين الذي يمول”. ويقول “في لبنان ثمة ممولون، لكننا نفتقر الى شركات الانتاج” المعنية بالقيمة السينمائية للاعمال.
وأضاف جروجورة: “معظم الافلام التي نزلت الى السوق هي افلام ممولين تستعين بممثلين تلفزيونيين معروفين، وهذه التوليفة التجارية كانت معتمدة في مصر خلال الستينات”.
ويعزو مخرجون ومراقبون تزاحم الافلام في الصالات اللبنانية الى ارتفاع عدد الجامعات التي تدرس السينما، وتوافر التمويل من صناديق دول الخليج، وتطور وسائل التصوير والمونتاج الرقمية.