بعد أن خرجنا لتونا من شهر رمضان ومن الماراثون الطويل في الركض وراء المسلسلات التي عرضت خلاله، قد يفاجأ بمن يتوجه لدور العرض السينمائي في عيد الفطر بفيلم سينمائي جديد ربما كان في اﻷساس بذرة رئيسية لمشروع مسلسل تليفزيوني رمضاني، لكنه بدلًا من ذلك انتهى به الحال ليكون فيلمًا سينمائيًا يشاهده الجمهور لكسر حالة الصيام عن السينما طوال شهر رمضان، وهي الحالة التي يمثلها فيلم من 30 سنة الذي انتظره الجميع بسبب الكم الهائل من النجوم الواقفون وراءه وعلى رأسهم أحمد السقا ومنى زكي وشريف منير وميرفت أمين ونور العائدة للسينما بعد 6 سنوات من الغياب.
هذا الملمح “المسلسلاتي” يمكن تلمسه بسهولة شديدة طوال مدة عرض الفيلم، وهو أمر لا يحمل أي شيء من التجني عليه، ستلاحظ في البداية مدى الاتساع الزمني للحكاية التي يسردها الفيلم عن عائلة الطيب الثرية المعروفة بتجارة السلاح، والكم الهائل للشخصيات الرئيسية من داخل العائلة وخارجها التي تتداخل فيما بينها في كم هائل من العلاقات اﻹشكالية السطحية التي لا تنبني بدوافع نفسية مدروسة ومنضبطة بقدر ما تسير كيفما اتفق تماشيًا مع متطلبات الحبكة المركبة التي يحملها الفيلم.
وﻷن المسلسلات المصرية عامة تختار دومًا أسهل الحلول المتوافرة وعدم إرهاق الذهن في حلول أكثر ذكاء وحرفية للسرد، يتكفل هنا الحوار بكل شيء، وأنا أعني كل شيء حرفيًا، كل الصلات التي تربط أفراد أسرة الطيب نعرفها فقط من الحوار على نحو يشكل الطريقة اﻷسخف على اﻹطلاق لتوصيل المعلومة للمشاهد على غرار “مش إنتِ عمتي؟” و”حبيبتي يا خالتي” و”أهلًا ببنت عمتي” و”هو إنتِ بنت الرقاصة؟” و”إنتِ طبعًا مرات خال بنت عمي”.. وهكذا.
اﻷمر لا يتوقف عند حد طريقة التعريف بالشخصيات ورسم العلاقات الدرامية، بل تمتد كذلك للتفاصيل واللزمات المصاحبة لكل شخصية والتي تأتي بشكل صرف من خلال الحوار أيضًا، مثل أن تردد ميرفت أمين طوال الفيلم جملة “ما تقوليش يا خالتي!”، أو أن تظل رجاء الجداوي تشتم خادمها بمناسبة وبدون مناسبة، أو أن تعقب منى زكي في خاتمة حديثها كل مرة بجملة “مع الشكر” باﻹضافة للكليشيهات السكندرية في الحديث، هل يعقل أنه لا يزال هناك سكندري لا يزال يقسم بالمرسي أبو العباس في 2016؟
لا أعرف إلى متى سيظل صناع السينما المصرية بهذه الحالة المؤسفة من اﻹفلاس اﻹبداعي بسبب اﻹصرار على رمي كل الكرات في مرمي الحوار فقط، من قال إن الحوار وحده هو الكفيل بشرح كل شيء، ومن قال إن سيناريو أي فيلم ما هو إلا حوار فقط، وإلى متى سنظل في هذه الحلقة المفرغة حيث نتعامل مع المشاهد وكأنه طفل قاصر لن يستوعب إلا بهذه الطريقة؟
وبجانب أزمة الحوار، كل الشخصيات بالكامل منسحقة تمامًا أمام سطوة الحبكة المركبة للفيلم، وحتى إنك لن تجد أية صلة تربط بينك كمشاهد وبين أي أحد منهم، لن تضبط نفسك متعاطفًا أو كارهًا لأي منهم حتى، معظم هذه الشخصيات تخرج من الفيلم مثلما دخلت إليه بدون أن تترك أي تأثير أو أي شيء لنتذكره ليبقى انبهارنا الرهيب بالحبكة، لتصير الشخصيات بالنسبة لكاتب السيناريو أيمن بهجت قمر مجرد عساكر في رقعة الشطرنج، ولكي تتأكد، حاول بعد انتهائك من مشاهدة الفيلم أن تتذكر أي شيء عن حياة أي منهم أو أية ذكرى علقت بذهنك منهم.
وبعدما قدمت ربما ما أعده اﻷداء اﻷفضل في تاريخها من خلال أفراح القبة، تقدم منى زكي هنا أكثر أداء مفتعل في تاريخها الفني وأكثر شخصية ثقيلة الظل في الفيلم، فالكاتب يحاول بشتى الطرق أن يجعلها شخصية كوميدية بكل الطرق بدءًا من القصائد الغريبة التي تلقيها تأثرًا بالصورة النمطية عن مثقفو وسط البلد في السينما المصرية، باﻹضافة إلى كافة تفاصيلها الحركية المصطنعة وطريقة الحديث المتقعرة التي تتفوه بها ناهيك عن جرعة “الفشر” السكندرية التي تحاول التحلي بها.
أما شخصية والدها إبراهيم محمود الجندي، فهي أكثر شخصية لم أستطع فهم مشكلتها، تشعر كأنه لم يكن بكامل تركيزه معهم وهو يصور الفيلم، حيث تسيطر عليه حالة مثيرة للدهشة من اللامبالاة على أي شيء يحدث أمامه وأي شيء تقوم به ابنته، نفس التعبير ونفس نبرة الصوت ونفس نظرة العين ونفس كل شيء.
ستقول لي لماذا لم أتحدث عن بقية اﻷداءات؟ ﻷنه لا يوجد في الحقيقة ما قد يعلق في الذهن منها، وما يتبقى فقط هي اﻷداءات الغريبة منها، فمخرج وكاتب الفيلم جندا كل قطع رقعة الشطرنج خاصتهما فقط ﻷجل خدمة “التويست المركب” الذي ينتهي به الفيلم وخدمة التعقيد الظاهري للحبكة، وكل ما خلا ذلك هو “قبض ريح” ولا قيمة له في عيونهم.