ك بدأت الأم في عملها اليومي المعتاد ودق جرس الهاتف لتذهب مسرعة هذه الطفلة الصغيرة ذات الأربع سنوات من عمرها لتجيب على الهاتف ، لتكتشف أن أحد جيرانهم تريد أمها وأشارت الأم إلى ابنتها الصغيرة بأنها غير موجودة ، وأسرعت الطفلة بالكذب المسرح به من قبل الأم ، ثم أسرعت الطفلة لتلعب وتكمل يومها ، وفي أخر اليوم اكتشفت الأم أن أحد الأطباق قد كُسرت فذهبت في غضب وسألت الطفلة: من كسر هذا الطبق ، أسرعت الطفلة بعفوية وقالت: لست أنا ، لكن الأم كانت متأكدة أنها هي وقالت لها لا تكذبي فالكذب لا يجوز يا ابنتي ..
إن هذا الموقف يمر علينا في كثير من الأحيان، هذا التناقض بين ما نُأمر به في صغرنا وأفعال من يأمرنا، لكني لن أتكلم على هذه المشكلة بالتحديد بل سوف أتطرق لمشكلة أكبر بكثير وتعتبر في الحقيقية جوهر عملية إدارة الذات وتحديد الأهداف وجوهر تربية الأبناء وهي أنت وأنا وأنتِ .. هل تفعل ما بداخلك بصدق؟ هل تشعر بهذا التناقض بين أفعالك وبين ما تريد ؟!! هل يوجد تضاد بين ما بداخلك وما تفعله في حياتك؟
تُصادفنا تلك الظاهرة في حياتنا كلها فنحن نعمل العمل الذي لا نريده من أعماقنا وندخل في المشاريع التي لا تروق لنا من أجل المال في كثير من الأحيان، ونقول الكذب لكثير ممن حولنا ونرتدي هذا القناع لنخفي ما بأنفسنا عن من أمامنا ونحاول الظهور بشكل غير شكلنا الحقيقي ، وفي حياتنا الشخصية نسعى للوصول لأهداف آخرين وليست أهدافنا الحقيقية التي هي من أعماقنا ، ثم بعدها نتسائل لماذا تديرنا الحياة ولا نستطيع أن ندير ذاتنا ، كيف ندير وقتنا ، كيف نربي أبنائنا..

كثيراً ما يستوقفني المتدربين في برنامج إدارة الذات ويقول لي أنا لا أستطيع إدارة ذاتي وأسئله السؤال الأهم (هل أنت أنت).. إن هذه الفكرة هي العائق الأساسي والذي يمثل 80% تقريباً من عدم تطبيق البرامج التدريبية التي بعنوان (إدارة الذات – إدارة الوقت – تربية الأبناء – تحقيق الأهداف)..لكن ما الحل؟!! إنه بسيط جداً .. لنتوقف مرة واحدة لنسأل أنفسنا هل ما افعله هو من أعماقي؟ هل هذا الهدف من صنعي؟ وهنا أنا لست ضد أن نتخذ من الآخرين القدوة والخبرة لكني ضد أن تذوب حياتنا في حياة كل من حولنا فنصبح نعيش مجبرين في هذه الحياة ، أنا استغرب في القاعات الرياضية عندما أسأل بعض الشباب لماذا تلعب هذه الرياضة؟ فيجيب ليكون شكل جسدي جيد ، وأقول له ، لماذا تريد هذا الشكل ؟ ويقول لي لكي يُعجب بي الناس ؟ ..وهنا لا أندهش حينما يتوقف الكثير من الشباب عن الرياضة بمجرد أن احدهم قال له أن جسدك غير ملائم .. إننا نبني كثير من مواقف حياتنا على مؤثر خارجي ونتوقع أن نحصل على تأثير داخلي عميق ، لكن الحقيقية هي العكس تماماً، ولنأخذ مثال مهم في حياتنا فكلنا نبحث عن السعادة في المال والأشياء المادية لكننا لا نحصل عليها في معظم الأوقات والغريب أن نحصل على شيء لحظي سرعان ما ينطفئ حلاوته ، إن المادة شيء خارجي أما السعادة فشعور داخلي عميق وهنا يحدث ذلك التناقض الذي أتحدث عنه ، فالطالب يذاكر ويجتهد من أجل النجاح فقط ، وتجده يذاكر وهو غير سعيد لماذا لأنه لم يلمس شيء من داخله لهذا العمل.(هنا أنا أسعى للوصول إلى النجاحين المادي والمعنوي وهذا ليس رفض للنجاح المادي اللحظي وإنما تأخير لأولويته في مرجعيتنا النفسية).لكن ما الحل؟ كيف نجعل أنفسنا صافية صادقة ما نفعله يعبر عن ما بداخلنا بصدق تام ونشعر بالسعادة الحقيقية؟
وهنا يجب أن نعرف عن المنطقة المسؤولية عن سعادة البشر داخلهم ، إنها الروح ، تلك الفطرة التي خلقها الله عز وجل في كل إنسان ، ولن يستطيع الإنسان الوصول لسر هذه الروح رغم هذا التطور الرائع الذي تشهده العلوم المادية والإنسانية على ظهر هذا الكوكب ، يقول الله عز وجل (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً)الإسراء85….والروح محلها القلب وهو العنوان المادي الجميل والمدخل الرائع لها
يبقى أن نعرف ما الطريقة العملية التي تجعلنا نصل إلى أعماق قلوبنا ونصبح صادقين في حياتنا :
النية : إن النية محلها القلب فبجرد أن تأخذ نية كبيرة في أي عمل تفعله سوف تجد أن هذا العمل يكبر معك بل إن دوافعك تزداد بنسبة كبيرة تتناسب مع مدى النية التي تأخذها فما بالك لو أنك تأخذ نية في إرضاء ملك الملوك الله ذو الجلال والإكرام ، لذلك من اليوم أجعل كل عمل تفعله فيه قيمة كبيرة ومتصل بالله وهذه العملية بسيطة ولن تأخذ منك وقت كبير لكن لاحظ تأثيرها الرائع عليك وعلى عملك.
الإخلاص : هو التأكيد على صدق نيتك والإيمان التام بها وأنها من أعماقك وليس هناك شيء أفضل منها ، وعليك لتصل إلى الإخلاص أن تقف وتصارح نفسك هل ما افعله من أعماقي ؟ هل هناك شيء أكبر منه؟
العمل المبادر: كثير من الأوقات لا نفعل ما بداخلنا لأننا نشعر أن الناس سوف يلومنا على ما نفعل أو أننا سوف ينظر لنا نظرة أن هذا لا يليق بمستوانا والحل في المبادرة والعمل الجاد حتى نصل لما نريد
التقمص الخارجي : تثبت الكاتبة (فيونا هارلود) في كتاب (الخطوات السبع لإعادة اكتشاف الذات) أن على الإنسان أن يفعل العمل الذي بداخله حتى وإن شعر في أول الأمر أن العمل غير مريح وعليه أن يبدأ بالتقليد لمن يفعل هذا العمل حتى يكتشف أعماق ذاته أكثر وهنا سوف يصل إلى ذاته الحقيقية ، فإنما العلم بالتعلم والحلم بالتحلم..
التكرار والإصرار : من أهم سمات النجاح هو أن تعمل على تكرار عملك الذي تحب حتى تصل إلى ما تريد وهنا سوف تشعر بمتعة رائعة فأنت تعمل ما تحب وتحصل على ما تريد وتكرر شيء يتصل بمصدر السعادة داخلك.
في النهاية يبقى الصدق مع نفسك هو العامل الأهم لتكون أنت أنت ولست أحد غيرك ، وأذكر نفسي دائماً قبل أن أذكركم أننا سوف نحيى حياة واحدة ودقائق معدودة فلنجعلها كلها صادقة لرب العباد ونيتنا فيها أن تكون خالصة لإرضاء الله عز وجل وهذه هي الغاية الحقيقية والسعادة الداخلية العميقة التي لا تتناقض أبداً مع ما بداخلنا لأنها هي الفطرة الأساسية التي فُطر عليها العباد.