تأملت في البشر وجُلت بين طباعهم، فرأيت الخاوية من السنابل تتمايل في روحة وجيئة بين “كيف يظهر فلان؟” و”ماذا يمتلك علان؟”.
تِلْكُم السنابل ما هي إلا أناس جعلوا من منطق المظاهر وحدة قياس لقيمة الإنسان، رأيت شبح “السطحية” يتواطأ مع عقولهم الرديئة ليرتكب في حق القيم الإنسانية جريمة شنعاء.. “مع سبق الإصرار والترصد” قلبوا المفاهيم واختزلوا قيمة الإنسان في قشرة زائفة ظناً منهم أنها لن تزول أبداً.
أَتأَفّفُ من حال فتيات تسابقن على العثور على عريس يشبه شيئاً ما مصباح علاء الدين، عريس اختزلنه في: حساب بنكي مصابٌ رصيدُه بالتُّخمة + ممتلكات تُسيل اللعاب من غلاء قيمتها المادية، أقول لهن: يا لَسذاجة مشاعركن! ويا لشقاء حياتكن!
إعلان

يشتد حزني كلما رأيت الشباب يتحدث عن ماركات الملابس والسيارات، وكيف أن اقتناء أغلاها يَبُث في أنفسهم ثقة جَسِيمَة، وكأنني أراهم يُشَيِّعون العقل البشري وأنا أسير وراءهم، أَرقُب النَّعْش يتحرك، وكأنه يريد لفظ ما بداخله ويريد إخبارهم: إِنَّهُ لم يمت بعد.. عقلكم لا يزال على قيد الوجود! هو فقط سُباتٌ عميق ما دَفَعْتم به للسقوط فيه، أيقظوه واستيقظوا! فُكُّوا أصفاداً لازمت جماجمكم الخاوية قروناً من الزمن.. انظروا إلى جوهركم! ستجدون ما سقط منكم وأنتم في طريقكم إلى حفلتكم التنكرية.
“أُريدها سُوَيْدِية”!
جملة مثيرة للشفقة حَدَّ الغثيان.. مضحكة حَدَّ التهكم وغبية حَدَّ الحزن، كلمات بعثرها البعض من الشباب الواهم على حسابه بالمجرة الزرقاء، ولم يكتف بذلك، فلقد تطاولت أصابعه على لوحة المفاتيح لتطلق سهاماً جارحة في اتجاه “بنات البلاد”؛ لِيَصِف مظهرهن بكل ما أوتي لسانه من البذاءة.
يترفع بكل ما أوتي من جلافة ورعونة عن فتيات وطنه، ويقول إنه يتقزز من تلك “الموسطاشات”.. وإنه يريدها سويدية.
يبعثر في سماء نفس المجرة صوراً لشقراوات بعيون ملونة وشعر أُسْدِل على أكتاف مكشوفة، ويقول إنه يريدها سويدية.
يتباكى وينوح لتواجده في بلاد ليس بها نفس القدر من الجمال، ويقول المسكين إنه ليس مستعداً للارتباط بإناث يشبهن الذكور.
أقول لك أيها الذكي حَدَّ الغباء، واللبق حَدَّ السماجة: تلك الفتاة أوصاك الخالق باحترامها ومراعاة مشاعرها، وقبل ذلك أوصاك بالنظر أوَّلاً في جوهر الناس، في أخلاقهم، مبادئهم، قيمهم، أدبهم، حيائهم، إنسانيتهم، علمهم.. أرأيت كم هي طويلة تلك اللائحة؟ أرأيت كم كنت فقيراً ذاتَ تَقْيِيمٍ؟
قبل مغادرتي سأزودك بمرآة صغيرة دَعْها تصاحبك أينما ذهبت، وبما أنك تصر على مبايعة ثقافة المظهر، فإنني أنصحك بالنظر لتلك المرآة، كلما راودتك فكرة تشغيل منطقك الغبي.. وقررت التلفظ بما يجود به لسانك الأعرج في حق فتيات بريئات من كل تهمك تلك، حينها ستساعدك مرآتي على الاستيقاظ من أحلامك الوردية.
أَحبَّ الجمال كما شِئت، فكلنا نحبه، إلا أن تعريفك للجمال سطحي جداً.. مُدْقِع جداً وعديم جداً، أنصحك بأخذ جرعات من التواضع وَلْتَتَسَلَّق سُلّم الكِبَر نُزولاً فقد يصيبك الدوار، خذ أيضاً جرعة من الاحترام والحياء ستتماثل روحك للنقاء لا محالة، وأعدك أن الأيام ستصلي من أجلك، وستدعو لك بالشفاء.
لكي لا أرهق أعينكم بملاحقة كلماتي، سأنهي نزيف قلمي بالآتي:
مرهق جداً التعايش مع أناس يجعلون من المظهر المُمْسكَ الأول والأخير بزمام الأمور في علاقتهم مع غيرهم.. مُضْجر جداً كسل البعض واكتفاؤهم بما ظهر فقط، يَنْسَوْن في كل مرة بأننا نجد الماء (مصدر الحياة) بالتنقيب في باطن الأرض، وأننا نعثر على الكنز بالحفر عميقاً.
في داخل كل واحد منا كنز ثمين، فلتحاولوا البحث عن الكنوز في الجوهر لا المظهر، ولنرتقِ قليلا، ليس لأن القاع امتلأ كما يقولون، ولكن لأن الإنسان كائن أعظم من أن نختزله في قشرة.