اليوم، الثلاثاء، بعد منتصف اليوم وأنا جالس عند مصفف الشعر. وهناك شيئان معتادان أحصل عليهما عند مصفف الشعر: تخفيف شعري من الخلف والجانبين، وشعور خفيف بالإحراج. ذلك أن الصمت قد حل في المكان اللهم إلا صوت عمل المقص. وليس هذا الصمت خطأ الحلاق، فالرجل قد تكلم عن كل الأمور الأساسية (شعري، وخططي لنهاية الأسبوع، وأين سأذهب في الإجازة). والآن صارت مسؤولية المحادثة واقعة عليّ. كنت قد استنفدت حصتي من “حقا؟” منذ وقت طويل، والمسافة الزمنية بيني وبين مجفف الشعر بعيدة.
لم تكن الكاريزما أبداً مما أوصف به. لكن، كم يحتاج المرء منها؟ لقد عُزي صعود دونالد ترامب وسقوط إد ميليباند إلى تلك الخاصية الأثيرية (أو افتقادها). على كل حال، فالكاريزما هي السبب الذي من أجله أصبح بوريس جونسون وزيراً للخارجية، والسبب الذي من أجله ما زال تيم فارون نكرة. عندما أعلن مايكل جوف، في شهور الصيف الماضي البعيدة، أنه سوف يترشح لزعامة المحافظين، تكلم عن هذا الأمر في خطبته الأولى قائلاً: “أياً ما تكن الكاريزما، فأنا لا أمتلكها”. وقد كان محقاً في ذلك، فسرعان ما توقفت مسيرته السياسية توقفاً حاداً، وفق تقرير لصحيفة الغارديان.
هل يمكنك أن تتعلم الكاريزما؟
هل يمكنك أن تتعلم الكاريزما؟ يعتقد الرجل الجالس بجانبي عند الحلاق أنَّ ذلك ممكن. يدعى هذا الرجل، دانيش شيخ، وهو مدرب كاريزما، وقد عمل مع مديرين تنفيذيين من شركة ياهو، وهيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) ليدربهم على “اكتساب الثقة” والجاذبية الشخصية. يعتقد شيخ أنَّ بإمكانه تحويلك من شخص عادي إلى جورج كلوني أو باردو. وسوف أكون تلميذه ليومين.
كنت جالساً في مقعد الحلاقة أفكر في مواضيع محتملة للدردشة مع الحلاق. لا ينبغي للأمر أن يكون بهذا القدر من الصعوبة، فأنا ذكي بما يكفي، وأحب الرياضة والموسيقى، وأستطيع مواكبة الأحداث الجارية، ثم إنَّ هناك طرقَ تواصل لا نهاية لها ولا حصر. في النهاية سألت الحلاق قائلاً: “وماذا عنك؟ هل سوف تذهب إلى أي مكان لطيف في الإجازة؟”.
رأيت شيخ، عبر المرآة، وهو يجفل عند سماع هذا السؤال.
بحسب شيخ، فإن الكاريزما تكمن في القدرة على التواصل مع الناس من خلال القوة المحضة للشخصية. يقول شيخ: “لا يمكنك تسعير مهارة مثل تلك”. ومع ذلك، فإنَّ شيخ استطاع تسعير تلك المهارة بـ150 يورو تحديداً. والكثير من الناس يدفعون. فوزارة الدفاع، وشركات بوبا ومورجان ستانلي وميريل لينش وسوني، كلها قد استأجرت مدربين متخصصين في هذا المجال.
خرافة الكاريزما
تقول أوليفيا فوكس كابين، مؤلفة كتاب “خرافة الكاريزما”، وهو من أكثر كتب عام 2013 مبيعاً، إنَّ أصحاب الشركات راغبون في دفع أكثر من 100 مليون دولار سنوياً مقابل استشارتها، كما دعتها الأمم المتحدة ذات مرة لتقديم محاضرة عن تحسين مهارات القيادة باستخدام العلوم السلوكية.
ما سر أهمية هذا العامل في الوقت الراهن؟ وجهت هذا السؤال لريتشارد ريد، معالج نفسي سلوكي معرفي بريطاني، وهو رجل لا يخجل من جاذبيته كما هو واضح، إذ يسمي نفسه “الأستاذ كاريزما”. يتخصص ريد في عدد من المجالات، منها الإدمان والاكتئاب وإدارة الأزمات، لكنه طوَّر عام 2009 واحداً من أوائل البرامج التدريبية للكاريزما في المملكة المتحدة. ومنذ ذلك الوقت، شملت قائمة زبائنه هيئة النقل في لندن، والوكالة القومية لمكافحة الجريمة، وجوجل. وقال ريد: “لم تعد هذه المنظمات تريد مديرين، وإنما يريدون قادة. والقيادة تعني الذكاء العاطفي. تلك هي الكاريزما”. ويقول ريد إنَّ أولئك الذين يفتقرون لما يسمى بالذكاء العاطفي، يقودون باستخدام التعليمات. أما أصحاب الذكاء العاطفي فيقودون بالنفوذ، وهو الأمر الأكثر فاعلية. وشرح ريد وجهة نظره قائلاً: “يجذب أولئك الأذكياء عاطفياً الناس لوجهة نظرهم من خلال عقد الصلات معهم. وباستخدام مصطلحات الشركات، فلو نظرت إلى ألمع الشركات اليوم، فسوف تجد أنَّ العاملين فيها يؤمنون بروح وثقافة ما يقومون به. وليس هذا الأمر وليد المصادفة، بل إنه نتاج جو صنعته القيادة ذات الكاريزما”.
وقال ريد إن هناك تزايداً من قبل زبائنه في إدماج المهنيين الشباب، المبدعين من أصحاب الدخول المتوسطة. درّب ريد مؤخراً شاباً أراد التدريب قبل أن يلقي خطاباً بصفته الإشبين في حفل زواج. وقال ريد: “نحن نعيش في عالم تنافسي. لو استطعت أن تتعلم التواصل مع الناس، فسوف تجد المزيد من الفرص. إلى جانب أنَّ ذلك يجعل كل شيء، من مقابلات العمل حتى الحفلات، أكثر إمتاعاً”.
يبدو الأمر أجمل من أن يكون حقيقياً، وبالنسبة لي ربما تكون تلك المشكلة. هل يمكن حقاً تعليم هذه الأشياء؟
لست جذاباً بالفطرة. أشعر أنني أسير على الخط الفاصل بين الخراقة الاجتماعية والكبر. وهما الأمران اللذان أظن أنَّ أحدهما ليس أكثر من سلوك متكلف لإخفاء الآخر، لكنني الآن في الثالثة والثلاثين من عمري، ولم أعد واثقاً أيهما الحقيقي وأيهما التكلف.
كونك لطيفاً، ليس بالأمر السهل
كونك خلاباً، أو حتى مجرد كونك لطيفاً، ليس بالأمر السهل، وأنا واثق بأنَّ ثمة فرص وصداقات أضعتها نتيجة لذلك. كنت أكتب في عامود لإحدى الصحف المحلية لبعض الوقت، وكان ذلك العامود شهيراً بما يكفي، لكن عندما قابلني القراء، شعرت بخيبة أملهم. قال أحد القراء كبار السن، دون مواربة: إنَّ الشرارة التي كانت موجودة في الصحيفة ليست موجودة في شخصك. قلت له إنني أعرف ذلك. لكن كيف تغير ما هو متأصل فيك؟
من الجيد أن تصبح أفضل نسخة من نفسك
قال لي الدكتور إريك ماتسر طبيب علم نفس الأعصاب، الذي كان يعمل مع فريق تشيلسي لكرة القدم، والفريق الهولندي الأولمبي للسباحة، والمتخصص في تحسين المواهب: “ قلة من الناس فقط تشعر بالراحة الطبيعية. أما باقي الناس، فإنَّ بعض التدريب، سواء كنت تسميه تدريب كاريزما أو لا، سوف يساعدهم. ربما كان هناك نوع من الوصمة في الماضي، لكن لم يعد الأمر كذلك. من الجيد أن تريد أن تصبح أفضل نسخة من نفسك، وهذا يتطلب مساعدة. إنَّ التطوير الإنساني معقد جداً، أعقد من أن تقوم به بنفسك. وهناك الكثير من الناس الذين بدؤوا يدركون هذا الأمر”.
وأشار الدكتور ماتسر إلى أنَّ ذلك الأمر ينبغي أن يمضي أبعد من ذلك. وقال: “أظن أنَّ هناك من يجادل لتدريس الذكاء العاطفي في المدارس، وخصوصاً التعاطف ومهارات التعامل مع الآخرين. هذه إحدى الطرق التي يمكننا من خلالها أن نساعد الناس في الوصول إلى تحقيق إمكاناتهم الكاملة، وخلق عالم أفضل”.
ومع ذلك، فإنَّ مدربي شيخ، ذا الأصول الهندية، قد علَّم نفسه. فقد كان في مراهقته شاباً انطوائياً أصبح مدير مشروعات في شركة ياهو، ثم أمضى عقداً من الزمان في دراسة علم النفس وعلم أعصاب التواصل الاجتماعي بسبب إحباطه من عدم قدرته على عقد صداقات. وعندما أدرك شيخ في أواخر العشرينيات من عمره، أنه قد حوَّل نفسه، صار مرشداً بدوام كامل.
كان انطباعي الأول عن شيخ حسناً، لكنه، بصراحة، لا يبدو شديد الجاذبية. ردّ عليّ شيخ: “لكنك تشبهني. لذا فنحن بالفعل في علاقة إيجابية ـ هذه هي الكاريزما”. كش ملك.
كانت انطباعات شيخ عني أكثر وحشية. أخبرني بذلك في الصباح التالي ليوم حلاقتي. بالأمس، تابعني في كل مكان ذهبت إليه، وراقب تفاعلاتي مع الناس، والآن كتب ملاحظاته على لوحة بيضاء. لم تكن قراءة العيوب أسهل من سماعها، لكنه أخبرني أنَّنا لا نستطيع معالجة نقائصنا دون الاعتراف بها.
هاك نقاط ضعفي: إنني أكافح لعمل الدردشات الصغيرة، وأفتقد للثقة اللازمة لدخول غرفة، ولغة جسدي منغلقة، ولا أتواصل بالعين كثيراً، لأنني أشعر بأنَّ الكثير من التواصل بالعين يعد انتهاكاً للمساحة الشخصية. وما لم تنخرط معي في مواضيع محددة (كرة القدم والأدب وتاريخ السكك الحديدية البريطانية في القرن التاسع عشر) فإنني أبدو كما لو كنت فاقداً للحماس.
واختتم شيخ ملحوظاته مبتهجاً: “لا تقلق. سوف نعالج كل هذه المشكلات”.
تعلمت الكثير، على مدار يومين، بما في ذلك كيف أقف مثل غوريلا (متباعد القدمين، والذراعين؛ إذ تعطي تلك الوقفة شعوراً بالمكانة العالية). لكنَّ المبدأ الجوهري الذي نقله شيخ أنَّ أصحاب الكاريزما يظهرون مكانتهم في الوقت الذي يُشعرون الآخرين فيه بمكانتهم. تأتي جاذبيتهم من هذا الخليط من السلطة والتعاطف.
خليط من الوقار والهزل
جلسات شيخ مبنية على فكرة أنَّ بالإمكان أن نطور ونتدرب على تقنيات لا واعية ومهارات تعامل مع الآخرين، إلى حد الإتقان. هذه المهارات من شأنها أن تخلق هذا التأثير الخارجي من الأهمية والدفء. جعلني هذا أفكر في أكثر الناس الذين عرفتهم جاذبية، وأتساءل إذا كان كل ما فعلوه ببساطة هو إتقان هذه المهارات. أفكر في مارتن، الصحفي ذي الثلاثين عاماً، الذي لا تتوقف الغرفة انتباهاً عند دخوله، لكنه لا يبدو أبداً غريباً عن أي مكان يدخل إليه. يتصرف مارتن بخليط من الوقار والهزل، وهو ليس من الأشخاص الذين يغيرون سلوكهم للتماشي مع المحيطين به.
سألت مارتن عما إذا كان واعياً لهذه المهارة، هل تدرَّب عليها واعياً؟ هزَّ مارتن كتفيه وأجابني: “أظن فقط أنني أنصت أكثر من أغلب الناس. لكنَّ ذلك ليس شيئاً درسته. كل ما في الأمر أنني إذا تكلمت فإنني لا أتعلم أي شيء جديد”.
أخبرته بدروس الكاريزما التي تلقيتها، فأخذ يومئ برأسه ويسأل أسئلة. سألته عن رأيه فيما سمع. فأجابني: “حفنة من الهراء. هل تريد مشروباً آخر؟”.
حتى وقت قريب، لم تكن الكاريزما شيئاً أفكر فيه كثيراً. لو حدث وفكرت فيها، فإنني كنت أنظر إليها بنفس الطريقة التي أنظر بها إلى قدرة يوهان كرويف على المراوغة؛ مهارة لطيفة، لا ريب، لكنها ليست شيئاً ظننت أنني بحاجة إليه. فقد حققت الأساسيات التقليدية دون هذه الكاريزما: حصلت على شريك، وبيت ووظيفة أستمتع بأدائها بما يكفي. عندما اتصلت بشيخ للمرة الأولى، كان الأمر بدافع الفضول الصحفي المحض. أردت أن أعرف السبب الذي من أجله أصبحت الصفة، التي كان الإغريق القدماء أول من تعرف عليها، شيئاً لا غنى عنه في القرن الحادي والعشرين. أردت أن أفهم كيف يمكن تعلم شيء يُعتقد بشكل عام أنه فطري.
لكنني الآن، بعد أن بدأت في تأمل المواقف التي كنت أتمنى فيها لو كان لدي المزيد من الجاذبية، أو قدرة أكبر على التواصل، بدت لي القائمة لا نهاية لها: صنع صداقات، وعمل علاقات مهنية، وأخيراً الحصول على أفضل ما في نفسي. لو كانت لدي كاريزما، لربما كنت لأحصل على تلك الوظيفة، أو كنت وثَّقت علاقتي أكثر بهذا الشخص. ربما لو كنت أمتلك الكاريزما، ما كنت لأصبح هذا الشخص الذي يكافح من أجل دردشة بسيطة في الحفلات. ربما كان التواصل مع العالم ليبدو أقل صعوبة مما هو عليه الآن.
يقول شيخ، إنه عندما يتعلق الأمر بالتعاطف، وهو واحد من الصفتين المكونتين للكاريزما، فإن الاستماع الفعال والشغوف أمر محوري. إن إظهار الاهتمام بالناس يجعلهم يشعرون شعوراً أفضل، ومن ثم يربطون هذا الشعور بك. وشرح شيخ ذلك قائلاً: “لو تشتت انتباهك ولو للحظات، فإن الناس يشعرون بذلك، لأنَّ البشر قادرون على الكشف عن أصغر التعبيرات في خمسين جزءاً من الثانية. لو استطعت إيقاف عقلك عن التجوال، ليكون حاضراً كلياً، فإنَّ الشخص الذي يصاحبك سوف يشعر بأنه متميز”. ريد لديه أسلوب محبب لصياغة النصيحة ذاتها إذ يقول: “لا يهم إذا كنت وراء الكواليس مع فرقة رولينغ ستون الموسيقية. لو كنت تتكلم مع عامل النظافة، فينبغي أن يكون هو الشخص الوحيد الذي يحصل على انتباهك”.
لا تروج لنفسك بفجاجة
إنَّ التعبير عن قيمتك الخاصة أمر أكثر صعوبة في التعلم. لا أحد يحب الشخص الذي يثرثر حول إنجازاته لأول من يقابلهم، لكن بالمثل، لا أحد يتذكر من لا شيء عنده يضيفه. حل تلك المعضلة غامض. لا تتفاخر، لكن لا تقلل من قيمتك أيضاً، لا تبالغ في نفسك، ولا تهون من شأنها في الوقت ذاته. قال شيخ في النهاية: “لا تروج لنفسك بفجاجة، لكن في الوقت ذاته، كن واعياً أنك بحاجة إلى الترويج لنفسك”. هذا يجعل الأمر واضحاً.
يقول شيخ إن علينا أن نتذكر أيضاً أنَّ مشاعرنا المباشرة تجاه شخص ما تهيمن عليها غرائزنا التطورية. فالوقفة الجيدة والصوت العميق يشيان بالقوة، كما تشي الوقفة العريضة بالسلطة، أما الجسد المفتوح فيعطي انطباعاً بالثقة. إن الرسالة الصامتة التي تريد إيصالها بالأساس أنك صادق، ويمكن الاعتماد عليك، ومفيد في المواقف الصعبة.
عندما تدخل الغرفة
تدربت أنا وشيخ على أساسيات أخرى: دخول غرفة (مرفوع الرأس، أكتافك إلى الوراء) والمحافظة على تواصل بالعين (قال لي شيخ: “لا تحملق. هذه حملقة. بحد أقصى أربع ثوان، ثم اكسر هذا التواصل”)، وحركات اليد (باعتدال). لو أديت كل هذه الأمور بالشكل الصحيح، فسوف يرسِّخ هذا من حضورك وقيمتك. الأمر ذاته ينطبق على نبرة الصوت: لا تتكلم بسرعة جداً ولا ببطء جداً، بل نوِّع سرعتك للمحافظة على انتباه المستمعين لك.
كان التدريب مصوغاً بنفس أسلوب الصفوف المدرسية، لكن ليس بالطريقة التي تعرفها. فقد كان شيخ يدرّسني النظرية، وأنا أسجل الملحوظات، ثم نقوم بتمارين تدريبية. فيما يتعلق بالدردشة، مثلاً، أخبرني شيخ أن أحافظ على الحوار مرحاً، وأن أتكلم بوضوح وأن أجعل أسئلتي مفتوحة. تظاهرَ أولاً بأنه مصفف الشعر الخاص بي، ثم بأنه محرر، ثم بأنه غريب في حفلة. وأؤكد لكم أنني لم أسأله في كل تلك التمرينات، ولو لمرة واحدة، عن المكان الذي سوف يقضي فيه إجازته.
جعلني شيخ أمارس تدريباً للانتباه، وعلمني كيف أكون حاضراً في اللحظة مع الشخص الذي أتكلم معه. أخبرني شيخ بحيلته الشخصية، لو وجد أن انتباهه قد تشتت للحظات، فإنه يخلع نظارته وينظفها. ويقول إنَّ هذا الفعل يلقي به مرة أخرى إلى الحاضر، ويهزه ليستعيد تركيزه. عندما أخبرني بذلك، أعجبت ببساطة الأمر. لاحقاً، عندما كنا نتناول الشراب معاً، وبينما كنت متدفقاً في حكاية واحدة من أفضل حكاياتي، لاحظت أنه ينظف نظارته.
ينبغي أيضاً أن أكون واثقاً، لكن كيف؟ عن طريق توظيف بعض الكيمياء البيولوجية، وتذكر نصر حققته في الماضي. يملأ هذا التذكر مخك بالأوكسيتوسين، وهو الهرمون الذي يتخلص من الخوف والقلق. قال لي شيخ: “افعل ذلك الأمر قبل دخولك الغرفة، وسوف تكون في حالة من التألق الطبيعي، مستعداً لغزو العالم”.
تلك الليلة، فعلت هذا الأمر بالضبط قبل دخولي إلى إحدى الحانات. ربما لا يكون تأثير ذلك في قوة تأثير إحدى المنشطات السريعة، إلا أن من المبكر الحكم عليه. كنت على موعد مع شيخ لذروة التدريب، الامتحان العملي، لو جاز التعبير. نحن هنا من أجل الدردشة مع الغرباء. بدأنا بعض المحادثات وسار الأمر بشكل حسن. لست مقتنعاً بأن الناس في الحانات، الإنكليز تحديداً، يحبون حقاً تلك اللحظة التي يدخل عليهم فيها شخص غريب ويبدأ الكلام معهم -أقسم أنني أرى الرعب في أعينهم- لكن في ظلام الليل هناك ضحك وموضوعات، لم أكن لأتخيلها أبداً. شرح خريج من قسم الفيزياء الثقوب السوداء، وشرح لنا سائق حافلة مسافات طويلة، كيف أنه بحلول نفس الوقت غداً سوف يكون في أربروث.
قلت له، منجرفاً مع فيض التأكيد الإيجابي: “بلدة جميلة”. سألني متعجباً: “هل ذهبت إلى هناك؟”. توقفت وفكرت في الخيارات المتاحة أمامي، ثم قلت بعد برهة: “لا. ولكنني سوف أذهب إلى هناك يوماً ما. أتمنى هذا”.
في الاستراحات كان شيخ يقدم لي تقييماً لطيفاً: لا تشبك ذراعيك. عندما تتكلم انظر لعيون كل الناس في الدائرة. هذا النوع من النصائح. عدم الإسراف في إبداء التعاطف مع الناس، كان أيضاً من النصائح التي وجهها لي. أنا متأكد أنه كان بذلك يشير إلى ملاحظتي عن أربروث.
كان تذكر كل أهدافي المتمثلة في اليدين والعيون والتعبير الصوتي والحضور والاستماع الفعال والتوضيح والأوكسيتوسين والسيروتونين، عملاً هائلاً بالنسبة لي، وجهداً جعلني أتصبب عرقاً. ولما أدركت أنني أعاني، أخبرت زوجاً كنا نتكلم معهما عن تدريب الكاريزما الذي أتلقاه. قدح هذا الأمر زناد مناظرة. كان رأي الرجل: “دعك من هذا التدريب. إن كونك ذا كاريزما يعني أن تكون نفسك. لا حيل في الموضوع”.
كان هذا يناقض معظم ما تعلمت خلال اليومين الفائتين، لكنني أوافق عليه نوعاً ما. إن صقل المهارات الاجتماعية اللطيفة مختلف عن التغيير الممنهج للسلوك من أجل أن تحظى بإعجاب الآخرين، وهو ما يبدو لي مختلفاً عن الحصول على هذا العامل المهم. ألا يعد غياب الأصالة أقل إثارة للإعجاب من غياب الجاذبية؟ أفكر في هذا، ثم أفكر في كل الفرص والصداقات التي أشعر بالقلق لإضاعتي لها. ربما كانت حقيقة الأمر أن نفسي الأصيلة لم ترد هذه الفرص إلى هذا الحد.
شاركت هذا الأمر مع شيخ، الذي كان جاهزاً بالرد. فقد اتضح أنَّ ذلك الرجل الذي يعتقد أن الجاذبية “أن تكون نفسك وحسب” مصور فوتوغرافي، وانتهى بنا الأمر بتبادل أرقام الهواتف، مع رؤية محتملة لأن نعمل معاً. قال شيخ: “إنَّ هذا تواصل بُني على إنشاء صلة. وهو بالضبط ما تعنيه الكاريزما. لقد خدمتك الكاريزما”.
هل أشعر بأنني تغيرت؟ ليس تحديداً. إنني الآن أعلم يقيناً أنني لن أقف مرة أخرى أبداً مثل الغوريلا، ولن أُظهر الحماس حول البلدات الاسكتلندية التي لا أستطيع تحديد موقعها على الخريطة. لكن ربما كان لب الكاريزما أبسط من ذلك على كل حال، ربما كانت متعلقة بأن تفهم نفسك فهماً أفضل، ومن ثم تنشر أفضل نسخة من نفسك.
ما إن غادرنا الحانة، حتى صافحت شيخ، وذهب كل منا في طريقه. بعد ذلك ناداني قائلاً: “هاي، أخبرني كيف سوف تمضي أمورك في الحلاقة القادمة”. ثم أشار بإبهامه علامة على الاستحسان. أظن أن شيخ كان بذلك يعطيني، متعمداً، آخر لمحة من لمحات جاذبيته. يعجبني ما فعل.
– هذا الموضوع مترجم عن صحيفة The Guardian البريطانية