لفترة طويلة اعتقدت أن كل النساء يقدرن جوهرهن وعقولهن القوية والعظيمة، وقلوبهن التقية الحصينة، لكن جولة واحدة في الشارع أظهرت لي نقيض كل ما توقعته، فالفتاة في مجتمعي ما زالت تمتنع عن الارتباط السري فقط خوفاً من أبيها وأخيها، وفي أحسن الحالات خوفاً على بكارتها ورحمها من جنين مبكر، لم تكن تسمع منهن غير هذه التخويفات، ونادراً ما تجد فتاة تلقت من التربية ما يكفي لتخبرك أنها تفهم جيداً ماهية الاقتران، وأنها لن ترتبط برجل فقط لإشباع فراغ عاطفي، أو لتجد من يهديها باقة ورد في الفالنتاين، أو ليدفع عنها مبلغ ارتشاف فنجان قهوة على ضفة البحر؛ بل إنها سترتبط بالرجل الذي يربط قلبه على قلبها فلا يفرقهما إلا الموت، وتجمعهما أسمى معاني الصبابة.
جولة في الشارع ستجعلك تعتقد للحظة أنك في دار لعرض الأزياء أو في حفل تنكري، فالفتاة صارت تخجل من أن ترتدي نفس الملابس ليومين متتابعين، ففي اعتقادها الراسخ عدم تغيير الملابس بانتظام سيجعل الناس يظنون أنها لا تمتلك شيئاً تلبسه، أو أنها فقيرة للحد الذي لا تستطيع أن تشتري لنفسها أكثر من فستانين، والحقيقة أن كثيراً من الناس لن يهتموا لها، لكنها في لحظة من اللحظات ستفقد أغلى شيء تملكه، هو جوهرها وشخصيتها، وسيصير هاجسها الأول هو “المظهر”، سيصير تناسق الألوان وتناسق الماركات أهم لديها من الحرص على نظافة الملابس وتغطية الجسد عن البرد والحر، وسيصير الكعب العالي أهم لديها من الحفاظ على صحة رجلها وحوضها، بل إن بلوغها للطول المناسب سيجعلها تفقد التفكير حتى في الألم المصاحب لارتداء حذاء بكعب عالٍ جداً لأكثر من ثماني ساعات في اليوم.
ستصير رقة الصوت عندها أهم من النطق بكلمات منطقية وجمل فكرية بلغة سليمة، هاجسها الأكبر أن تتسلل نغمات صوتها لأذن رجل أتعبته شواغل الدنيا فيجد فيها لذته الوجيزة وتجد فيه إشباع أذنها بالكلمات المعسولة التي لا تتعدى باحة التغزل بمفاتن جسمها وصوتها الجذاب.
وفي أحسن حالات تقدير الأنثى، سيظهر فوق منابر إفتاء عالية رجل يظن أنه يحسن صنعاً، يوجه الزوجة لأن تكون بائعة الهوى لزوجها، فتلون شعرها حسب اللون الذي يشتهيه، وتلطخ شفتيها حسب اللون الذي رآه في شفاه زميلته في العمل، أو ترتدي بذلة أغرته ذات يوم وهو يشاهد مشهداً إباحياً أو يتفرج على صور النساء على المجلات والمواقع التواصلية، وسنجده يحضر لزوجته العطر الذي يعجبه هو، وليس الذي يرضيها هي، وسنجد النعجة الخجولة ستلبي كل أوامره بخضوع تام؛ لأنها تعتقد أن طمس معالم الشخصية يدخلها في خانة طاعة الزوج، وطبعاً من أطاعت زوجها دخلت الجنة، وستطلب منه الوديعة أن يحلق شيئاً من لحيته أو يزيد من طولها أو يغير تسريحة شعره، أو يغير عطره وسيخبرها أنه حر في جسده، ويا ويلها لو تجرأت وطلبت منه إزالة شعر جسمه، قد تجد نفسها في بيت أبيها مطلقة طلاق الثلاث، ثم يختم الشيخ الوقور كلامه بأن الإسلام قد كرم المرأة، والحقيقة أنه فعلاً قد كرمها، لكن الرجل المسلم قد تفنن ببراعة في طمس معالم شخصية هذه المرأة بغير حق.. لخلاء الساحة الفكرية والدينية لمدة طويلة من العقول النسائية التي انشغلت بتلبية رغبات الرجل، لتدخل الجنة، ونسيت المخلوقة أن الجنة لا تتعلق بزواج أو طلاق، بل هي بيد الخالق، الذي لم يطلب منها الشيء الكثير إلا نظافة جسمها وإزالة ما يسبب الأمراض الجلدية، مثلها مثل الرجل، مع اختلاف بيولوجي بسيط جداً هو الاغتسال من دم الحيض والنفاس، وأن لطاعة الزوج بعداً آخر لا ينحصر في خصر ونهد وتلبية للغرائز.
لم يطلب الله منها أن تحرق جلدها بالشمع ليرضى الرجل، أو أن تسقط شعرها بكثرة التلوين والتصفيف ليرضى الرجل، أو أن تشتري الرخيص من مستحضرات التجميل الذي يسبب أضراراً جسيمة على بشرتها ليرضى الرجل، أو أن تسبب لثديها السرطان بمستحضرات تكبيره ليرضى الرجل، أو أن تلحق الأذى برحمها باستعمال بعض الأعشاب التي ستوصل للرجل لرضاه التام، أو تتناول الحبوب المعلومة لتخرج أردافاً لا وجود لها في الأصل، ليرضى الرجل، فلا فرق في نظري بين أن تشيّئ المرأة نفسها وتطمس جمالها الحقيقي لأجل رجل شرعي، وبين أن تعرض جسمها في الوصلات الإشهارية لغيره من الرجال.
إن الرجل الذي يسمى حقاً رجلاً هو ذلك الذي يحبك كما أنت، لا يقارنك مع غيرك، سيحبك بشعرك الأسود؛ لأنك أنت تريدينه أسود، وسيحبك به بنياً؛ لأنك أنت تريدينه كذلك، سيحبك بعينيك على لونهما الأصلي، أو على لون العدسة لأنك أنت تريدين ذلك اللون، وسيحبك بعطر الفراولة؛ لأنك أنت تريدين ذلك العطر، سيعلم أن جسدك ملك لك وحدك، من حقك أن تعطريه بأي عطر تشائين، أو أن تبقي على رائحتك الطبيعية؛ لأنك تريدين ذلك، سيحبك بذوقك في اختيار ثيابك، ولن يطلب منك أن ترتدي نمطاً من اللباس أحبه على فتاة لم يكن من نصيبه الزواج منها، وسيعلم أن الذوق الذي اختاره زوجاً هو نفس الذوق الذي اختار حلة المظهر، وتعييبه لذوقك وتدخله في قراراتك الجمالية هو تدخل في قرار اختياره ضمنياً.
ولن يتأتى لك كل هذا إلا إذا كنت تتمتعين بشخصية قوية، تتزينين لنفسك لأنك تحبين ذلك، لا تنتظرين الزواج حتى تمشطي شعرك أو تنظفي جسمك أو ترتدي المتناسق من “ثياب البيت”، تتمتعين بالقوة والثقة التي تجعلك ترين من العادي جداً أن يستيقظ قبلك ويرى الأشجار عالية العروش على رأسك وأحياناً اللعاب يسيل من فمك ولن يغير ذلك شيئاً من حبه لك، أن يشم فيك رائحة الضرط ولا يغلق أنفه، وأن يحترم المساحة الخاصة بجسدك كما تحترمين أنت كيانه.
الأنوثة هبة جميلة من الله تعالى، لكن ضريبتها وثمنها على المرأة العربية مكلف جداً، توقفوا عن تصنيف معايير جمال النساء، هذه جذابة وتلك مقززة، هذه صالحة للنظر والمعاشرة وهذه حثالة النساء، هذه زوجتك لأنك لم تجد غيرها وفي قلبك ورغبتك أنثى من النوع العاهر، تتخذ من جسد زوجتك ساحة لتشكيلها على هواك.
المرأة ليست مجرد هيكل عظمي خارجي، ليست مجرد شحم ولحم، المرأة عقل وفكر وكيان وجوهر، وعندما تضيق بك الدنيا وتعسر في وجهك كل المخارج ستجد عقلها هو منقذك من الأزمات، لكن رجاء لا تخبرها حينها أنها “بألف رجل”، أو “وقفتها وقفة رجل”، مجرد التشبيه بالرجال إلغاء عظيم لأنوثتها وحصر ضيق لها مجدداً في “الجسد”.