في عصر الشبكات الاجتماعية، عندما يتصدر المشهد خبر جديد، مثل قرار المحكمة البريطانية العليا بخصوص خروج من بريطانيا، أو الأخبار التي تقول إنَّ البطاطس المشوية تُسبب السرطان، يُثار جدل كبير. وفي عالم “ما بعد الحقيقة” (وهو مصطلح يشير إلى اعتماد السياسيين على إثارة المشاعر بدلاً من الحقائق)، حيث يستخدم السياسيون “الحقائق البديلة” (وهو مصطلح استخدمته كيليان كونواي مستشارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب لوصف تصريحاته المغلوطة)، حتى الرئيس الأميركي ذاته يخوض معاركه على تويتر. لكن ماذا لو لم تكُن مهتماً كثيراً بأن تصيح بما تعتقده، وكنتَ تريد فعلاً أن تُغيِّر آراء الناس؟
المبادئ الأساسية
هل هناك طريقة للمجادلة بفاعلية أكثر على الشبكات الاجتماعية؟ يقول شون جونز، وهو محام في المحكمة العليا مختص بمجالَي التوظيف والرياضة، إنَّ الإجابة: نعم، لكن ربما نحتاج لتغيير استراتيجيتنا. ويضيف جونز: “قبل أن أصير محامياً في المحكمة العليا، كنتُ مقتنعاً بأني بارع في المجادلة. ووجدت أنَّ التصرف بتعالٍ قاسٍ، ورفض التسليم بأي نقطة، والإصرار المتواصل على إطالة الجدال، كلها أساليب موثوقة لإرهاق الخصوم. إذ كانوا يرحلون ويتركونني منتصراً”، وفق صحيفة الغارديان.
إعلان

هل يشبه هذا الكثير من المناظرات على الإنترنت؟ هذا ليس مفاجئاً. ويُكمل جونز: “تبيَّن أنَّ التعامل مع الناس بعجرفة حتى يصمتوا، كما يمكن أن يحدث في تويتر، هي طريقة غير مُجدية لإقناعهم بأنك على صواب. وأدركت بسرعة أنَّ وظيفتِي هي إقناع الناس”.
لفِعل هذا يمكننا أن نستخدم تركيبة بسيطة ناجحة في المجادلة، ونُطبقها على الشبكات الاجتماعية. إذ تقول هيلينا كينيدي، المحامية بالمحكمة العليا: “أظن دائماً أنَّ أفضل طريقة لتكوين حُجة هي استخدام تركيبة تتكون من التالي: الموقف، والمثال، والمنطق، وتكرار الموقف”.
1 الموقف
يقول جونز، أولاً، اسأل نفسك ما الهدف من الحُجة؟ “عادةً، تريد أن تقف مع من تجادله على أرضٍ مشتركة، لذا فابحث عما هو مشترك بينكما، وابدأ من هناك”. بعد ذلك، ابدأ بعرض أفضل نقاط حُجتك. يقول لورانس وينستون، رئيس قسم الدعاوى في شركة “Squire Patton Boggs” القانونية: “اجعلها أبسط ما يمكن، فكلما أكثرت في التفاصيل قلَّلتَ من حسم نقطتك”. وعندما تبدأ المناظرة، ركِّز ولا تكثر من التكرار. لا ترسل 20 تغريدة تقول فيها الشيء ذاته.
ولا تدع انتباهك يُشتَّت. إذ يضيف جونز: “تعامل مع كل نقطة على حدة، حين يشعر الناس أنَّ ركناً مهماً من أركان حُجتهم ينهار، يقفزون إلى آخر. تأكد من التسليم بالانتقال من نقطة إلى أخرى”.
2 المثال
كن مستعداً لأن تكون الطرف الذي يجيب عن الأسئلة، ويُبرِّر وجهة نظره، ومن الأفضل أن تدعم ذلك بالحقائق والأرقام. ويُكمل جونز: “تبدأ الكثير من المناظرات على تويتر بنزاع حول تحديد من الذي يجب أن يُبرِّر موقفه. إذا كان موقفك مُبرَّراً، لا تخف من حمل هذا العبء. في الحقيقة، قد يساعدك أسلوب أن تتعامل باعتبارك الأكثر ثقة.
أشارت دراسة، نُشرت في مجلة “Organizational Behavior and Human Decision Processes”، إلى أنَّ الناس تُصدق المتحدث الواثق أكثر من الشخص الذي يعلم أكثر. مع ذلك، من الأفضل أن تشترك فقط حين تعلم قضيتك. وتقول جوان هاريس، وهي إحدى الكتاب الأكثر شعبية ومستخدمة نشطة لتويتر: “لا تُخادع أو تتظاهر بكونك خبيراً بالأشياء التي لا تعرفها. عليك أن تمتلك على الأقل بعض الحقائق أو الخبرة ذات الصلة بموضوع المناظرة”.
3 المنطق/ كن منطقياً للآخرين
وضِّح نقطتك، ثم أضف إضافات قصيرة لحُجتك لتؤيد ما تقوله. ويقول وينستون: “يمكن لإرسال نقاط مُرتبة أن يكون أكثر فاعلية من سلسلة تغريدات ذات رسالة أطول، وتأكَّد من أن يظل كلامك معقولاً”.
يقول دكتور سام روبرتس، المُحاضر القديم لعلم النفس في جامعة تشيستر، إنه إذا استجاب أحدهم استجابة سيئة، تذكر أنه ربما يكون قد أساء تفسير كلامك، حتى ولو حاولت توضيحه أكثر بإضافة الإيموتيكونز (الوجوه التعبيرية). “لا يستطيع الناس الذين تتجادل معهم أن يرَوا تعبيرات وجهك، أو يسمعوا نبرة صوتك. لا يستطيع الناس دائماً أن يعرفوا إذا ما كنت تلقي دعابة أَم تقول رأياً جاداً”، لذا فلتتحرَّ الوضوح، واشرح ما تقصده.
لكن تذكَّر أيضاً أنَّه أحياناً يشترك خصمك معك في المجادلة فقط ليثير رد فعلك، ولا حاجة للقول إنك يجب ألا تأخذ الأمور على محمل شخصي، حتى ولو استفزك. وتقول جوان هاريس: “تذكر أنك ربما تتعامل مع شخص لديه مشكلات في الصحة العقلية. لذا لا تؤذِ أحداً، ولا تقل لأي شخص أي شيء لن تقوله له إذا كنت تتكلم معه وجهاً لوجه. الصياح على تويتر مختلف عن الصياح نحو شاشة التلفزيون”.
4 تكرار الموقف
بعد أن تعرض نقاط حُجتك، كرِّر موقفك، ثم اترك الأمر. الكثير من المناظرات على تويتر لا تُحَلُّ، وغالباً سوف تنتهي مناظرتك مع خصمك قبل أن يقتنع بكلامك. ويقول جونز: “كن دمث الخلق واشكره على التحدث معك. الأكثر احتمالاً هو أن تستمر أنت بطريقة بنّاءة”. إذا لم تسِر المناظرة على ما يرام تعلَّم أن تُحدِّد أنك وصلت لنقطة يكون من العبث الاستمرار بعدها. وتقول جوان: “تذكَّر أنك مهما حاولت، فبعض الناس لن يستمعوا أبداً. لا تُضيِّع وقتاً أكثر من اللازم مع هؤلاء الناس”.
تذكَّر، لو ظلَّ أحدهم يَذكُرك في تغريداته، لستَ مضطراً لأن تستجيب. من الممكن أن تضعه في قائمة الحظر، أو تتجاهله، أو إذا فشل كل هذا أرسل له واحدة من رسائل شون جونز التي تقول إنَّ هناك خطأً تقنياً.
5 التعرُّض الانتقائي
إذا كنت ترغب بجدية في أن تكون واسع الأفق، ربما يجدر بك أن تتفحص متابعيك. يعاني الناس على تويتر مما وصفه الباحثون بـ”التعرُّض الانتقائي”. فوفقاً لدراسة أُجريت في جامعة ولاية بنسلفانيا، يميل الناس في النزاعات إلى المشاركة والتواصل مع من يشتركون معهم في الأيديولوجيات، أكثر ممن يختلفون معهم. في هذه الحالة، يحيط المرء نفسه بمن يتفقون معه فقط، وتصير آراؤه راسخة.
ويختم جونز قائلاً: “اتبع أناساً مختلفين معك، واستمع لهم. يريد من يدافع عن رأي أن تُختبر كل ملامح قضيته. ومن يدري؟ ففي نهاية الأمر، قد تكون أنت من اقتنع بحجة الطرف الآخر”.
– هذا الموضوع مترجم عن صحيفة The Guardian البريطانية،