راديو “لما” من أميركا: السوريون يريدون الترفيه أيضاً
وليد بركسية|الإثنين28/04/2014
بصيغة شبابية ترفيهية، ومن قلب الولايات المتحدة، ينشط راديو “لما أف أم” كواحد من أحدث الإذاعات السورية التي أبصرت النور بعد الثورة. يبثّ بفلسفة إجتماعية ترفيهية تبتعد عن السياسة بكافة تجلياتها وشجونها الإنسانية، وتقارب الإعلام الشخصي عبر الإنترنت، بعيداً من تكرار تجارب الآخرين على الأقل.
لا يتجاوز عمر الإذاعة الثلاثة أشهر، وأنشأتها الإعلامية السورية لمى الأصيل التي درست الصحافة والإعلام في جامعة دمشق. وبعد هجرتها إلى الولايات المتحدة صيف 2013، فكرت بتأسيس الإذاعة إنطلاقاً من ندرة الإذاعات العربية في أرض الفرص الجديدة، وتعطّش المغتربين إلى إعلام يفهمهم ويفهمونه. وتوضح الأصيل لـ”المدن” أن الهدف الأساس من إنشاء الراديو هو “مواساة المغتربين ووضعهم في أجواء شامية تنسيهم غربتهم”، إضافة إلى تماشيها مع التوقيت الأميركي، ما يتيح للمغتربين سماع فيروز صباحاً وأم كلثوم مساء.
لا تمويل مالياً للإذاعة الناشئة من خارجها. التمويل ذاتي، كما تقول لمى، مؤكدة أنها وزوجها د.باسل خير ينفقان على الإذاعة من دخلهما الخاص. لكنها لا تنفي عرضاً للرعاية تقدم به أحد المستثمرين المستقلين، والأهم من ذلك أنه لا يتبع أي جهة رسمية أو دينية. وتشير الى أن العرض خاضع للدراسة حالياً.
ويأتي هذا العرض بموازاة رفضها عرضاً من إذاعة عربية أخرى تبث في الولايات المتحدة، للتبادل التجاري بين الوسيلتين، من خلال بثها لأحد برامجهم، في مقابل تقديم الإعلانات. وأرجعت الأصيل قرارها بالرفض، الى عدم رغبتها في “كسر الروح الشبابية الترفيهية للراديو”، بعدما وجدت أن برامج الإذاعة الأخرى تميل إلى “الجدية المفرطة”.
طاقم عمل الراديو صغير نسبياً، إذ لا يتجاوز 15 فرداً بين مقدمي البرامج ومهندسي الصوت والمونتاج، وغالبيتهم هواة من مختلف الاختصاصات الجامعية، لكنهم جميعاً أصحاب نشاط فردي إعلامي سابق في إطار “يوتيوب” والصفحات الاجتماعية. يجمعهم الآن “راديو لما” في بيئة إعلامية إحترافية تقدم لهم منصة تتوجه إلى جمهور أوسع. ولا مكان واحداً يجمع الطاقم بل ينتشر مقدمو البرامج في دول عدة، هي سوريا، أميركا، لبنان، مصر، السعودية، قطر.. وكلهم يحمل الجنسية السورية “بمحض الصدفة”، على حد تعبير الأصيل.
يبث الراديو مجموعة من البرامج الترفيهية والإجتماعية والمنوعات والأغاني على حساب البرامج السياسية عموماً. وتغيب نشرات الأخبار من جدول البث، رغم أن الإذاعة تكتفي بعناوين إخبارية سريعة ضمن البرنامج الصباحي اليومي “صباحكم شامي مع لمى”. ولا تعزو الأصيل ذلك إلى عدم وجود كادر إعلامي قادر على التعامل مع المجال السياسي، فهي عملت شخصياً لسنة كاملة في تلفزيون “سوريا الغد” الإخباري المُعارض والذي يبث من مصر، كمعدّة ومذيعة ومحررة أخبار، مع وجود تعاون بين الطرفين حتى اللحظة على صعيد الأخبار الانكليزية التي ينشرونها في موقعهم. لكنها ترجع الموضوع إلى فلسفة إعلامية تميل إلى المواد الخفيفة (soft news) فقط.
تنبع فلسفة الإذاعة الإعلامية من إيمان أصحابها بأن السياسة إقتحمت حياة السوريين إلى حد الإشباع، وبالتالي تتمحور فلسفة “راديو لما” حول فكرة زرع الحب ولمّ الشمل الذي فرقته السياسة والحروب، إضافة الى خوف لمى الأصيل على العاملين معها من الداخل السوري، حيث الوضع الأمني المتردي. وتضيف: “لا أريد إيذاء أي شخص يقدم صوته من خلال إذاعتنا”، وكان ذلك السبب الحاسم في إلغاء نشرات الأخبار المخطط لها قبل انطلاق البث.
ولا تبدو الجدوى من كل هذا الكم الترفيهي واضحة أو مبررة في وقت نلاحظ فيه توجه الإذاعات الترفيهية داخل سوريا او الإذاعات المجتمعية الجديدة خارج البلاد، إلى بث الأخبار والبرامج “الجادة” الى جانب البرامج الترفيهية. ولا يبدو ما تقدمه الإذاعة من برامج حوارية بسيطة ونوستالجيا للوطن الأم، كافياً لإرضاء الجمهور السوري (العربي عموماً) في الولايات المتحدة، خصوصاً أن المعلومات الجديدة هي ما يجذب الجمهور حالياً، وتحديداً في وقت الأزمات.
لكن فكرة الأصيل مناقضة. إذ فترى أن ابتعاد إذاعتها عن السياسة يتطابق ورغبات جمهورها الذي يحتاج إلى “جرعات من الترفيه والأمل”، مضيفة أنه مع توجه كل راديو يتعاطى السياسة إلى جمهور محدد سلفاً، تبعاً لسياسته التحريرية، فإن “راديو لما” يسعى إلى أن يكون لكل المغتربين العرب مهما كان توجههم السياسي. كما أن الجانب الجاد لا يقتصر على السياسة وحدها، حيث ستشهد المحطة قريباً انطلاقة شبكة برامج جديدة تقدم معلومات مهمة ثقافياً وإنسانياً، وخصوصاً في ما يتعلق بالمشاكل الإجتماعية والقانونية للمغتربين على سبيل المثال.
في ضوء ذلك، لا مراسلين للراديو في الداخل السوري أو خارجه. فالبرامج “الخفيفة”، لا تحتاج الى معلومات كثيرة، بل تعتمد على مدى قدرة المقدم على عكس صورة الحياة المحيطة به. تقول الأصيل: “من يتواجد في سوريا يمدّنا بمعلومات عن حياة الناس وهمومهم، وأفراحهم وأحزانهم، وجديدهم. ومن يتواجد خارج سوريا يحكي عن هموم المغتربين كفرد منهم. يعيش تجربتهم، أو يستقي معلوماته التي يحتاجها من الإنترنت والكتب الي تفيد موضوع برنامجه”. ومن أبرز برامج الراديو “صباحكم شامي” المستوحى من فكرة “الصبحية في أحد البيوت الشامية” للدردشة والمرح، وبرنامج “كزا مزا مع بانا” الذي يتناول القضايا الإجتماعية بأسلوب كوميدي ساخر.
يعزز هذا كله الرؤية الشخصية للإعلام الجديد في إطار إعلام المواطن بطريقة أو بأخرى. ولا تحبذ الأصيل إطلاق فكرة الإعلام الشخصي على عملها، لأن الراديو، حسب قولها، لا يبث أفكارها الخاصة، بل هناك مساحة لكل مقدم لتقديم رؤيته الإنسانية. وبالتالي تصنف الأصيل إذاعتها في إطار “الإعلام التشاركي الشعبي مفتوح المصادر”، وتعترف: “أرى أننا نمارس شكلاً من أشكال الممارسات الصحافية ولم نرتقِ بعد إلى المهنية المطلوبة”.
تبث الإذاعة عبر الإنترنت فقط مع نشاط واضح في شبكات التواصل الإجتماعي، ويعمل أصحابها اليوم على تسجيلها رسمياً في الولايات المتحدة والحصول على تردد ضمن الموجات الإذاعية هناك، لكن ذلك لن يتم قبل اكتمال صورة الإذاعة وزيادة خبرة أصحابها وبرمجة كل ما يبث من خلالها بشكل دقيق.
– See more at: http://www.almodon.com/media/c6b97c72-811e-4813-9db6-d89398aeba74#sthash.qTN9B3Eo.dpuf